خفض سن التقاعد دون التأثير على التأمينات

من يتفحص فوائد استبدال المعاش التقاعدي التي ممكن أن تصل إلى ما يقارب ال 17% سنويا حسب قانون التأمينات، تتكون عنده قناعة أن كل ما جاء في ذلك القانون من اختيارات بيد الموظف أو المتقاعد لا يمكن أو على الأقل من المستبعد أن يتسبب بضرر اكتواري على المؤسسة. ومن هذا المنطلق لو نظرنا إلى النصوص والأحكام التالية من القانون والمذكورة في موقع التأمينات:

    • “يستحق معاش التقاعد شهريا بواقع 65% من آخر مرتب شهري عن مدة الاشتراك المحسوبة في هذا التأمين التي تبلغ خمس عشرة سنة، يزاد بواقع 2% عن كل سنة تزيد عن ذلك بحد أقصى 95% من هذا المرتب”
    • وفي حالات الاستقالة يخفض المعاش التقاعدي بنسبة 5% إذا كان العمر عند صرف المعاش أقل من 45 سنة. ويخفض بنسبة 2% إذا كان العمر من 45 سنة حتى 52 سنة.

سنجد أنه يمكن للموظف الحكومي الذي تجاوزت مدة خدمته ال 15 عاما أن يستقيل أو <<يتقاعد مبكرا>> لكنه لن يحصل على المعاش التقاعدي إلا عند سن الاستحقاق أي 55 سنة أو حسب ما جاء من تفصيل في قانون التأمينات.

 

إلى ذلك، لو افترضنا عدم المساس بقانون التأمينات الحالي عند خفض سن التقاعد المقترح وقيام الدولة عند تطبيق هذا المقترح بتحمل تكاليف المعاش التقاعدي الذي يحسب مثلما جاء في القانون بدلا من التأمينات لحين وصول المؤمن عليه إلى سن الاستحقاق أو 55 سنة. وهو ما سيحقق وفرا للدولة لأنها ستدفع معاش مؤقت أقل من الراتب بسبب الخصم وانخفاض سنوات الخدمة للعديد من اللذين يتقاعدون باختيارهم. وفي نفس الوقت لن تسبب بخسائر للتأمينات حسب قانونها الحالي أو لن تكون هناك حاجة لزيادة الاشتراكات أو تخفيض المزايا (راجع الفرضية في الفقرة الأولى). وتنطبق نفس الآلية على مكافأة نهاية الخدمة أو أي ميزة أخرى.

كمثال توضيحي لما سبق، يقرر موظف التقاعد مبكرا وهو في عمر ال 50 سنة وبعد 25 سنة خدمة. كان أخر راتب له 1500 دينار وعلى هذا الأساس أصبح معاشه التقاعدي حسب القانون الحالي 1250 دينار بعد خصم نسبة 2% لكون العمر بين 45 و52 سنة. ستتحمل الدولة تكاليف معاشه الشهري وهو 1250 دينار بدلا من راتبه 1425 دينار (بعد خصم 5% اشتراك التأمينات الذي خسرته الدولة بسبب التقاعد المبكر) حتى يصل إلى سن ال 55 أو سن الاستحقاق وحينها ستقوم التأمينات بتحمل معاشه التقاعدي حتى أخر المطاف.  أي أن الدولة (أي دمج التأمينات والحكومة ماليا) تكون قد حققت وفر يقارب ال 12% سنويا طيلة الخمس سنوات على فرض عدم زيادة الراتب. وحققت وفرا بعد ذلك يقارب ال 12% سنويا أيضا لأن معاشه كان سيصبح 1425 بدلا من 1250 لو استمر بالعمل لغاية سن ال 55 سنة. ويتضح مما سبق ان المواطن هو الخسران ماليا والدولة هي الرابحة. كما قد يتبين أن هذه الطريقة في تطبيق مقترح خفض سن التقاعد قد تكون أسهل في التطبيق من جعل التأمينات تتحملها بالطريقة التقليدية.

جدول يبين طريقة حساب المعاش التقاعدي كما جاء في قانون التأمينات الحالي وحسب سنوات الخدمة والعمر
table
*المصدر: المعلومات المنشورة على موقع التأمينات الاجتماعية

لماذا يصر الاقتصاديون والمتخصصون ومن يتبعهم على أن التقاعد المبكر مضر بالمال العام؟

لو سألنا أي اقتصادي مخضرم لا يعرف عن وضع الكويت شيء يذكر عن رأيه في تخفيض سن التقاعد لتوفير المال العام، لأجاب بان هذا ضرب من الجنون لأن الدول ترفع سن التقاعد لتوفير المال العام وتوفير مزايا جيدة للمتقاعدين خاصة وأن العمر الافتراضي قد ارتفع في كثير من الدول بسبب تطور الرعاية الصحية.

ولو أخبرناه بأننا اقتصاد ريعي توظف فيه الحكومة 79% من قوة العمل الوطنية وتنتشر فيه ظاهرة البطالة المقنعة وتدفع الدولة 80% من الاشتراكات للتأمينات الاجتماعية بالنسبة لموظفي الحكومة بالإضافة لتحمل أعباء العجوزات الاكتوارية، لقال ان الأفضل هو معالجة مشكلة البطالة المقنعة وتضخم الجهاز الحكومي بدل اللجوء إلى الحلول الترقيعية مثل خفض سن التقاعد.

لكن لو أكدنا له صعوبة أو شبه استحاله تعديل وضع البطالة المقنعة أو تضخم الجهاز الحكومي بأي حل آخر على المدى القصير أو حتى المتوسط، لتساءل “هل سيقبل المواطنون بالحصول على مبالغ مالية أقل من الدولة لأن المعاش التقاعدي أقل من الراتب الحكومي بطبيعة الحال وخاصة عند التقاعد المبكر؟”

وسيكون الرد عليه “لحسن الحظ أصبح خفض سن التقاعد الاختياري مطلب شعبي بسبب تطبيق الحكومة لنظام البصمة لإثبات الحضور والانصراف على كافة الجهات الحكومية.” ليجيب ويتساءل مرة أخرى “هذا جيد، لكن كيف يمكن للمتقاعد مبكرا أن يعوض خسارته المادية لو أراد ذلك؟” والإجابة هي بأن الحكومة تدفع مكافأة نهاية الخدمة للمتقاعدين وسمحت قانونيا بالمشاريع المنزلية والمتناهية الصغر لتشجيع المواطنين على العمل الحر حتى لو لم يكن ذلك في سن مبكر.

لكن يبقى السؤال المهم، لماذا يصر العديد من الاقتصاديين والمتخصصين ومن يتبعهم على أن التقاعد المبكر مضر بالمال العام في الكويت؟

  • لا يريدون أن ينظر لهم من قريب أو بعيد على أنهم يؤيدون رأي سيء غير مقبول في الحالات الطبيعية.
  • لا يرغبون بأن يوصفوا بتأييد المطالبات شعبية لأن غالبيتها العظمى تضر بالمال العام.
  • بعضهم يمتلك أو يدير شركات استثمار أو استشارات وتأييدهم لرأي مثل هذا قد يضر سمعتهم ومصالحهم.
  • بعضهم تكون آراؤه سطحية وعبارة عن قص ولزق أو ترجمة حرفية لأدبيات أجنبية.
  • قد يكون رأيهم مرسلا أو مدفوعا بأجر أو منحازا بسبب مصالح خاصة غير معلومة.

أتمنى فعلا أن يظهر أحد يستطيع أن يثبت ويوضح حسابيا أن حصول المواطن على أموال أقل من الدولة هو خسارة للمال العام بدل الاستمرار بطرح الآراء السطحية أو المرسلة لتغطية إخفاقات أو سوء إدارة جهة حكومية أصبحت مفضوحة للعلن.

 

محمد رمضان
كاتب وباحث اقتصادي
@rammohammad

هل ستستفيد الكويت من الانضمام للامارات؟

كثيرا ما يتطلع الكويتيون في أحاديثهم ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي إلى تطور دولة الإمارات السريع والمذهل ويتحسرون على حالهم وعلى سوء أداء الحكومة والمجالس المنتخبة. إذ تكثر المقارنات وتضرب الأمثلة المضحكة على تصريحات مسؤولي الحكومة عندنا مقارنة بنظيرتها الإماراتية.

من بعد الاستعمار البريطاني إلى نهاية ما يسمى بالعصر الذهبي سنة 1982, أي مع بداية أزمة المناخ وانخفاض أسعار النفط وبداية الحرب العراقية الإيرانية، تبينت عدم قدرة الحكومة الكويتية على التعامل بحصافة مع الأزمات المختلفة. وما زلنا على هذا الحال حتى يومنا هذا.

من جانب آخر ولحسن الحظ، ينص دستور الامارات في مادته الأولى بأنه «يجوز لأي قطر عربي مستقل أن ينضم إلى الاتحاد، متى وافق المجلس الأعلى للاتحاد على ذلك بإجماع الآراء». فبالرغم من أن انضمام الكويت إلى الامارات هو أقرب إلى الحلم منه إلى الواقع، إلا أنه لا يوجد ما يمنع بان نبدأ بالتفكير بصوت عال في محاولة لبيان بعض تفاصيل وآثار ذلك الإيجابية والسلبية على كل من الكويت والامارات وباقي دول مجلس التعاون.

 

الواقع الجغرافي

على الرغم من غرابة وجود جزء من دولة يفصلها عنه دولة أخرى، إلا أن هذا موجود بشكل بارز وواضح في الولايات المتحدة المفصولة تماما عن ولاية ألاسكا التابعة لها. وكذلك حال الدانمارك مع جرينلاند التابعة لها أيضا. وحتى لو نظرنا إلى ماليزيا وإندونيسيا لوجدنا نموذجا قريبا لذلك.  ولحسن الحظ أيضا، يوجد بين الامارات وعمان رأس مسندم التابع لعمان والمحاط بريا بالإمارات، ويوجد كذلك أحد أغرب وأعقد التقاسيم الحدودية في العالم في ولاية مدحاء العمانية المحاطة تماما بالإمارات والتي يوجد بداخلها قرية النحوة التابعة لإمارة الشارقة. أي لن يضيف انضمام الكويت للإمارات الكثير من التعقيدات الحدودية لحدود الامارات المعقدة أصلا.

UAE

خريطة تبين التعقيدات الحدودية بين عمان والامارات في مسندم وولاية مدحاء العمانية التي بداخلها قرية النحوة الإماراتية التابعة لإمارة الشارقة

 

 

ما التغيرات التي يمكن أن تحدث للكويت؟

  • ستصبح الحكومة الكويتية بلا وزراء بل هيئات ومؤسسات حكومية فقط تتبع مباشرة لرئيس الحكومة أو حاكم الامارة كما هو حال حكومة أبو ظبي ودبي وباقي الحكومات المحلية في الامارات المختلفة، وذلك لأن الوزارات تتبع الحكومة الاتحادية.
  • سيستجوب النواب رؤساء الهيئات الحكومية مباشرة ويمكنهم طرح الثقة فيهم بدل استخدام الوزراء كدرع حماية لفساد الهيئات الحكومية.
  • ستحدد سلطات مجلس الأمة بعدم مخالفة قوانين وأنظمة الحكومة الاتحادية، أي سيكون هناك حد أقصى لسلبيات قراراتهم.
  • سيقل اهتمام الكويت بالسياسة الخارجية وسيقل تأثرها بها نتيجة وجودها داخل كيان أكبر. وغالبا سيتفرغ رئيس الحكومة للشأن الداخلي بشكل أكبر.
  • ستكون الكويت جزءا من كيان أفضل منها بمراحل في مؤشرات التعليم والتنمية والفساد والحوكمة.
  • سيختلط مسؤولو الحكومة الكويتية مع الحكومة الاتحادية وستنكشف أسباب اخفاقاتهم بوضوح وقد يقتدون بمن هم أفضل منهم.
  • سيتمكن جميع المقيمين في الامارات من رجال أعمال وعمالة من زيارة الكويت بدون قيود تذكر وبدون شرط رخصة عمل أو إقامة كويتية.

تطول القائمة جدا بالمزايا التي ستحسن أداء الحكومة الكويتية سواءا على المدى المتوسط أو البعيد ويفترض أن تتخلص الكويت من التراجع المستمر منذ عشرات السنين. كمثال بسيط ولبيان الفرق في إدارة المرافق الحكومية بين الكويت والامارات يمكن مقارنة ميناء الشويخ الذي تم تشغيله سنة 1960, بميناء زايد وميناء راشد اللذان تم تشغيلهما سنة 1972.

بعض مزايا وأهداف الاتحاد

تعتبر تجربة الامارات المتحدة تجربة ناجحة يمكن تضخيم نجاحها بزيادة الأعضاء وخاصة لو كان العضو الجديد دولة غنية جدا، حيث يرسم دستور الإمارات أبرز أهداف الاتحاد وهي:

  1. الحفاظ على استقلال وسيادة وأمن واستقرار الدولة الاتحادية، وكل من إماراتها الأعضاء.
  2. حماية حقوق وحريات شعب الاتحاد، وتحقيق التعاون بين إماراته للصالح العام للدولة.
  3. توفير الحياة الأفضل لجميع المواطنين.
  4. احترام كل إمارة عضو لاستقلال وسيادة الإمارات الأخرى في شؤونها الداخلية بحسب الدستور.

لماذا ستوافق الامارات على انضمام الكويت لها؟

بالرغم من انخفاض مؤشرات ومراتب الامارات المختلفة مباشرة بعد انضمام الكويت إلا أن هناك مزايا تجعل من الأمر أكثر اغراء للإمارات منها على سبيل المثال لا الحصر:

  1. ستتكون قوة اقتصادية نفطية جديدة تنتج ما يقارب 6 مليون برميل يوميا، أي ما يعادل 18% تقريبا من انتاج أوبك.
  2. ستتكون قوة مالية جديدة بإجمالي صناديق سيادية تصل قيمتها إلى أكثر من 1.8$ تريليون دولار.
  3. بعد نجاح التجربة سيفتح المجال لباقي دول مجلس التعاون الخليجي مثل قطر والبحرين وعمان وربا لاحقا السعودية للانضمام الى الكيان الجديد.
  4. من الصعب قيام أي وحدة في دول مجلس التعاون مع أي دولة أخرى لأن الامارات هي الدولة الوحيدة المهيئة بتجربة ناجحة تفوق الأربعين عاما وبدستور وأهداف اتحادية مرحبة لمزيد من الدول العربية.

 

ملحوظة: في عام 1968، وقبل تأسيس دولة الإمارات، دُعي كل من البحرين وقطر للانضمام إلى الاتحاد. لكن في عام 1971 أصبح من الواضح أنّه لم يعد لإيران أي مطالب في البحرين، فتم إعلان البحرين دولة مستقلة في أغسطس 1971، وتبعتها قطر في سبتمبر، وتأسست دولة الإمارات في ديسمبر من العام نفسه.

محمد رمضان

كاتب وباحث اقتصادي

@rammohammad