دار جدل واسع مؤخرا حول موضوع الآلاف من مدعي الإعاقة حسب التصريحات الحكومية بهدف الحصول على أموال ومزايا المعاقين. تبين بعد تبرئة جميع الحالات المحولة للنيابة وهم 38 حالة فقط، أن ادعاء الإعاقة ان كان موجود فهو يندرج ضمن الطرق اللاأخلاقية والغير مجرمة عمليا للحصول على المال. مثله مثل إطالة عمل اللجان الحكومية للحصول على البدلات أو الذهاب في مهمات رسمية ليس لها داعي أو ربما يشابه مدح مؤثري التواصل الاجتماعي لمنتجات وخدمات سيئة مقابل الحصول على المال.
منذ سنة 2012-2013 حتى أخر تقرير لسنة 2016-2017 وملاحظات ديوان المحاسبة تؤكد وجود صرف غير مستحق لبعض المعاقين. لكن ما جد في ديسمبر 2015 هو توصية دراسة اصلاح الدعوم بتخفيض الدعم المقدم عن طريق الهيئة العامة لذوي الإعاقة سنة 2015-2016 إلى النصف تقريبا بحلول عام 2019-2020 بنسبة تخفيض 25% لسنتين متتاليتين ثم تثبيت المبلغ بعد ذلك بدلا من نمو سنوي 10.4% كما كان في السابق. ألا تعتبر توصية بهذا الشكل غريبة من الناحية الإنسانية؟ وهل سيكون الخطأ في تطبيق هذه التوصية على حساب الحالات الجادة؟ والأهم من كل ذلك هو هل أعداد المعاقين الكويتيين يفوق المعدلات الطبيعية؟
المعدلات العالمية لذوي الإعاقة
يشير التقرير العالمي للمعاقين الصادر من منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي سنة 2011 إلى أن هناك 880 مليون معاق في العالم أو ما نسبته 12.8% من اجمالي البشر منهم 203 مليون أو ما نسبته 3.1% من العالم يعانون من إعاقة شديدة. ولو ركزنا على من هم في عمر ال 15 سنة أو أكبر لأصبحت النسبة 15.6% أو 785 مليون معاق يصنف ربعهم تقريبا أو 3.8% من اجمالي هذه الفئة العمرية بدرجة إعاقة شديدة.
حسب تقديرات السكان العالمية لسنة 2010 تبلغ نسبة المعاقين 15%. لكن عند المقارنة بتقديرات السبعينات من القرن الماضي كانت نسبة المعاقين تعادل 10% من سكان العالم. حيث ترجع أسباب ارتفاع نسبة المعاقين حول العالم بسبب التقدم في العمر وارتفاع نسبة الأمراض المزمنة المسببة للإعاقة مثل السكر وأمراض القلب والأمراض العقلية. كما ترتفع نسبة المعاقين حسب التقارير الأخيرة في الدول الفقيرة أكثر منها في الدول الغنية وبشكل عام عند كبار السن والنساء وقليلي التعليم والفقراء أكثر من صغار السن والرجال والمتعلمين والأغنياء. وقد يعني ما سبق أن الرعاية الصحية الجيدة قد تطيل في أعمار المواطنين لكن ليس بالضرورة أن تزيل عنهم الإعاقة.
أعداد المعاقين في الكويت ونسبتهم
حسب الاحصائيات التي استعرضتها وزيرة الشؤون الاجتماعية هند الصبيح خلال الاستجواب المقدم لها في يناير 2018, هناك 48,208 معاق في الكويت موزعين حسب المحافظات أي بنسبة تعادل 1.1% فقط من اجمالي السكان. لم يتم استعراض أعداد الكويتيين المعاقين حسب المحافظات، لكن بعد الرجوع لتصريحات سابقة لسنة 2015 من قبل مسؤولين في وزارة الصحة، كانت نسبة المعاقين الغير الكويتيين إلى اجمالي عدد الغير كويتيين تعادل 0.167% فقط. تم تطبيق هذه النسبة على أعداد الغير الكويتيين في جميع المحافظات وطرح عدد المعاقين الغير الكويتيين لنحصل على أعداد ونسب تقديرية للمعاقين الكويتيين حسب المحافظات.
يمكن تفسير الانخفاض الشديد بنسبة المعاقين الغير الكويتيين بأن من يأتي للعمل في الكويت سواءا في الحكومة أو القطاع الخاص أو العمالة المنزلية لا يفترض أن يكون معاقا وإلا لما تمكن من القيام بعمله. وقد تكون نسبة كبيرة من المعاقين غير الكويتيين من أبناء الكويتيات أو من فئة البدون.
كانت نسبة المعاقين المواطنين لإجمالي عدد المواطنين هي 3.2% فقط. وكانت النسبة الأعلى بين المواطنين في محافظة الجهراء عند 4.9% تليها محافظة الأحمدي عند نسبة 3.3% ثم العاصمة بنسبة 2.9% ثم الفروانية بنسبة 2.8% ثم حولي بنسبة 2.7% وأخيرا محافظة مبارك الكبير بنسبة 2.6%.
نلاحظ وجود فرق كبير في نسب المعاقين الكويتيين بين محافظة الجهراء وباقي المحافظات فهي الأعلى عند نسبة 4.9% تليها محافظة الأحمدي عند نسبة 3.3%. أما باقي المحافظات فهي متقاربة عند مستوى 2.8% تقريبا. يبرر البعض هذا الارتفاع بسبب انتشار زواج الأقارب في تلك المحافظات، لكن لو رجعنا إلى مؤشرات أخرى للاستدلال على الحالة المالية لساكني تلك المحافظات لوجدنا أن أقل أسعار متر الأرض السكنية حسب تقرير بيتك للربع الثاني 2017 هو في محافظتي الجهراء والأحمدي عند مستوى 424 و498 دينار للمتر المربع مقارنة ب 866 و919 لكل من محافظة العاصمة وحولي. ولو رجعنا إلى عدد العمالة المنزلية لكل 10 مواطنين لوجدنا أن أقل الأرقام تظهر أيضا في محافظتي الجهراء والأحمدي 4.1 و4.2 على التوالي مقارنة ب 6 و5 لمحافظتي العاصمة وحولي. ولو ذهبنا أبعد من ذلك إلى عدد المواطنين مرتكبي جرائم الشيكات بدون رصيد لكل عشر آلاف مواطن لوجدنا أن أقل الأعداد في محافظات مبارك الكبير والجهراء والأحمدي عند مستوى 0.7 و1.13 و1.26 بينما كانت الأعلى في محافظة العاصمة وحولي عند مستوى 11.74 و6.28 مواطن مرتكب جريمة الشيكات بدون رصيد لكل 10,000 مواطن.
مما سبق من مؤشرات يمكننا أن نستدل على أن سكان محافظة الجهراء من المواطنين هم أفقر من المواطنين في المحافظات الأخرى وبالتالي قد يبرر ذلك وجود الإعاقة حسب النتائج العالمية أو حتى يبر ادعاء الإعاقة طالما أن ذلك فعليا لا يعاقب عليه القانون. (أفقر لا تعني بالضرورة فقراء)

المقارنة مع السعودية وبريطانيا
حتى يكون هناك دلالة أكبر للأرقام والنسب السابقة لابد من المقارنة مع دول أخرى. لحسن الحظ تتوافر بيانات رسمية عن أعداد ونسب المعاقين في السعودية حسب الهيئة العامة للإحصاء لسنة 2017 كالآتي:
- نسبة السعوديين اللذين لديهم اعاقات خفيفة أو شديدة أو بالغة هي 7.1% من اجمالي السعوديين (أكثر من ضعف النسبة عند الكويتيين وهي 3.2%).
- نسبة السعوديين اللذين لديهم إعاقة شديدة أو بالغة 2.9% من اجمالي السعوديين وكانت نسبة الإعاقة الخفيفة 4.1%.
- 35% من المعاقين السعوديين ممن لديهم إعاقة واحدة فقط يكون لدى ابائهم وامهاتهم صلة قرابة من الدرجة الأولى.
وكمقارنة مع احدى الدول المتقدمة تم اختيار بريطانيا ذات الشعب الكبير في السن. حيث معدل أعمار من هم على قيد الحياة يساوي 40 عاما بينما معدل عمر الكويتيين الأحياء أقل من 30 عاما (تقديري عند 25 إلى 26 سنة). وكانت النتيجة أن هناك ما نسبته 21% من الشعب في بريطانيا مصنف على أنه معاق سنة 2016 وتزداد نسبة الإعاقة في المناطق الأكثر فقرا وتقل في المناطق الأكثر ثراءا.
ولبيان الاختلاف بين المناطق نستعرض نسبة حاملي شارة المعاقين الزرقاء في بريطانيا لسنة 2016 وكانت النتائج كالتالي:
- بلغت نسبة حاملي الشارة الزرقاء 4.3% من الشعب.
- كانت أعلى نسبة لمنطقة معينة هي 7.2% في منطقة سانت هيلينز وأقل نسبة هي 2.8% في منطقة لندن. (الفرق بين النسبة الأعلى والأقل هو 4.4 وهو أعلى بكثير من الفرق بين محافظات الكويت عند 2.3).
محمد رمضان
كاتب وباحث اقتصادي
rammohammad@



